دعوة لزيارة مدينة مطوبس

كتبت نورهان صلاح الدين:

اخبار خفيفة

"على الضفة الشرقية لفرع رشيد، وإلى الجنوب من مدينة رشيد بحوالي 25 كيلومترًا، تقع مدينة مطوبس، قليلون يعرفونها، وكثيرون يجهلونها، لكن إذا زرتها يومًا، فلابد أنك سترى فيها شيئًا مختلفًا"؛ هكذا تقدم مجلة ذاكرة مصر المعاصرة دعوة لقرائها لزيارة تلك المدينة الصغيرة الهادئة التي يحتضنها النيل، على صفحات العدد الخامس من المجلة الصادرة عن مكتبة الإسكندرية في يناير 2011.


ويشير الدكتور خالد عزب في موضوع "مطوبس .. هل زرتها يومًا؟"، إلى أن مطوبس بدأت نشأتها فى عصر الأسرة السادسة والعشرين الفرعونية حينما هاجر مجموعة من البحارة الصغار اليونانيين إلى شمال الدلتا، فأسسوا مركزًا بحريًّا سمي باسم "البحارة الصغار" أي مطووبوس. ودمرت هذه المدينة بالكامل في بداية القرن السابع الميلادي إثر زلزال عنيف ضرب دلتا النيل وساحل البحر المتوسط.

ويقول عزب إن بقايا المدينة مازالت ماثلة للعيان فيما يعرف بالكوم الأحمر، وهو تل أثري كبير يبين بقايا أرضيات الفسيفساء التي كانت تزين أرضيات المنازل الكبيرة بها. وأضاف أنه تم إجراء حفائر أثرية بالتل في أواخر أربعينيات القرن العشرين، وإذا تم استكمال حفائره سيكشف عن علاقات تاريخية وطيدة بين مصر واليونان، تستحق أن نحتفي بها.

وفي العصر الإسلامي، نمت إلى الشمال من هذا التل قرية صغيرة سكنها العرب الفاتحون، ليعملوا بالدرجة الأولى بالصيد والتجارة ثم بالزراعة، لكن في أواخر العصر المملوكي وأوائل العصر العثماني، سكنها أندلسيون ممن طردوا من الأندلس، فاستقروا بها، ومازال تراثهم باقيًا إلى اليوم في المدينة في بعض المأكولات كالكسكسي، ومسميات كالمغازة وزليزلي، وهي كلمة تطلق على بلاطات القاشاني.

وأحدث الأندلسيون ثورة عمرانية في مدينة مطوبس؛ فشيدوا الجامع الكبير الذي عرف أيضًا بمسجد سيدي عامر، وشيدوا حوله الأسواق وحوانيت الحرفيين وجعلوها وقفًا عليه، كما شيدوا حمامًا كبيرًا إلى جوار المسجد الكبير. وشهدت القرية سوق العصر الذي كان يقام كل يوم بعد صلاة العصر، وسوقًا أسبوعيًّا كبيرًا يقام كل يوم خميس يأتي إليه الفلاحون من القرى المجاورة، فصارت أكبر مركز للتبادل السلعي والتجارة في شمال غرب دلتا النيل، كما أحدثوا بها طاحونة كبرى لطحن الغلال ومدقًّا للأرز وأنوالاً لصناعة الحصير. وأنشئت مساجد عديدة في المدينة كمسجد الشيخ عبد الوهاب بن مخلوف ثاني أكبر مساجد المدينة، وهو لأحد الأولياء الصالحين، وينتهي نسبه إلى الإمام علي بن أبي طالب.

ولفت عزب إلى أن أهل مطوبس نشطاء، ولذلك فقد استصلحوا البراري إلى الشرق منها، حتى صارت من الاتساع بحيث شيدت فيها قرى كثيرة. وفي أوائل القرن التاسع عشر بدأ بعض من أهلها يرغبون في التعليم، فتخرج منها أطباء ومحامون، وشيدوا في عشرينيات القرن العشرين مدارس ابتدائية، لإدراكهم أن العلم سلم أبنائهم للرقي، فتخرج منها الدكتور علي إبراهيم أبو الطب الحديث في مصر، والدكتور محمد بلال الطالب الثوري في طب القصر العيني وبطل حادثة كوبري عباس، والدكتور علي السايس أستاذ الفقه في جامعة الأزهر، والدكتور الشهيد محمد حسين الذهبي وزير الأوقاف الأسبق. وتعددت المدارس في مطوبس حتى صارت تستوعب أبناء القرية؛ منها مدرسة رابعة العدوية، ومدرسة نافع، ومدرسة الجلاء وغيرها.

ويتطرق عزب إلى المشروعين الأكثر أهمية في مطوبس، واللذين كانا في أربعينيات القرن العشرين؛ وهما مشروع مد ثلاثة خطوط سكة حديد من مطوبس إلى الإسكندرية ومن مطوبس إلى دسوق ومن مطوبس إلى سيدي سالم فكفر الشيخ، لكن الخط الأخير لم يتم. أما المشروع الثاني فهو قناطر إدفينا لحجز مياه النيل قبل وصولها إلى البحر المتوسط، حيث جلب هذا المشروع الضخم ازدهارًا اقتصاديًّا لقرية مطوبس، وافتتحت هذه القناطر في احتفال كبير حضره مصطفى باشا النحاس رئيس وزراء مصر سنة 1950م، في حضور عدد كبير من الوزراء والشخصيات العامة والصحفيين.

وأحيطت القناطر بحدائق عامة على ضفتي النيل، فأصبحت منتزهًا لأهالي محافظة كفر الشيخ ومحافظة البحيرة، وفي الشتاء تعد منتزهًا لأهالي الإسكندرية، وبذلك عرفت مطوبس السياحة لأول مرة بدءًا من عام 1950م وحتى الآن، حيث يتمتع زائريها بسباقات الدراجات وركوب الحمير والخيول، والتنزه بالمراكب في النيل، وأكل الذرة المشوي والفسيخ وغيرها من وسائل الترفيه، مع وجود عدد كبير من الشباب الذي يمارس الرياضة خاصة لعبة كرة القدم، أو يلعب الشطرنج أو يقرأ.

وازدهرت في مطوبس صناعة الحلويات؛ خاصة أنواعًا مميزةً من الهريسة التي تتميز بها عن غيرها من مراكز صناعة الحلويات في مصر. وحينما يريد المطوبسي أن يعبر عن تقديره وحبه لشخص فإنه يهديه أنواع الهريسة المختلفة المنتجة في مطوبس، والمصنوعة من السميط وجوز الهند والزبيب والمعدة بالسمن البلدي، وتُحشى أنواع منها باللوز والمكسرات، وتصنع من طبقة واحدة أو طبقتين. وهناك أنواع طريفة من الحلوى تصنع في مطوبس كاللديدة ومربة الحمام والهريسة الشامي وغيرها كثير، غير أن مطوبس اشتهرت بتوريدها لمختلف مدن وقرى الدلتا، خاصة حلوى المولد النبوي والمواسم كالعرائس التي تختص بها الفتيات والأحصنة التي يختص بها الفتيان.

ويعدد عزب أصناف الطعام التي تختص بها مطوبس؛ ومنها الكبابي التي تعد كل يوم خميس في القرية منذ عقود؛ والكبابي لحم مفروم مع الأرز يسوى في شوربة اللحم أو الدس وهو برام من الفخار يملأ بالأرز وفيه طبقات من البط أو الإوز يوضع بعد دهن البرام بالسمن البلدي ويسوى في الفرن البلدي. وتشتهر مطوبس أيضًا بنوعين من الخبز، الأول يسمونه البكاكين، وهو يعد من الدقيق المعجون باللبن والسمن البلدي، والثاني هو السخان، وهو مثل الأول لكن طبقته العليا تدهن بالبيض ويرش عليه السمسم.

وكان إحساس أهالي مطوبس منذ أربعينيات القرن العشرين أن قريتهم الكبيرة يجب أن تكون مدينة، فتظاهروا مطالبين بذلك، وتحركوا لهذا الهدف في كل الاتجاهات وتضامنوا لهذا، لكن لسنوات طويلة لم يتحقق هدفهم إلا في سبعينيات القرن العشرين، وسرعان ما تحولت المدينة إلى مركز أيضًا، لكن فقدت عائلات المدينة تضامنها السابق، وهاجر إليها سكان القرى المجاورة. بالرغم من هذا كان فيهم رجل صالح هو نعينع كان يحمل الطعام سرًّا لفقراء المدينة ليلاً، ويجوبها بحثًا عن المعسرين لفك عسرتهم، وكان بعض أغنياء المدينة في مطلع كل عام دراسي يدفعون مصاريف المدارس للفقراء.

ويؤكد عزب أن هذه المدينة التي ولد وعاش بها إلى المرحلة الثانوية، في حاجة إلى المزيد لتطوير صناعة الحلويات بها لتصبح قابلة للتصدير والتسويق، كما هو الحال في تسويق السوريين للحلويات السورية، وإنشاء صناعات بها تناسب معطيات بيئتها، كصناعة الورق والصناعات الغذائية واستخلاص اليورانيوم من رمال شواطئها السوداء.

ويصطحب العدد الخامس من مجلة ذاكرة مصر المعاصرة القراء في جولة متنوعة شيقة، ليكشف عن أسرار وخبايا من التاريخ المصري؛ حيث يروي عبد الوهاب شاكر قصة اشتراك الجيش المصري ومحاربته في المكسيك سرًّا، ووقائع الحرب وأحداثها وأثرها على العلاقات المصرية الإنجليزية والأمريكية آنذاك. وترصد سوزان عابد في موضوع بعنوان "طرائف الإعلانات المصرية"، فكرة الإعلان وظهور وتطوره وانعكاسه على ثقافة وفكر المجتمع. ولعشاق كوكب الشرق، تقدم شيرين جابر رؤية جديدة لأم كلثوم تحت عنوان "أم كلثوم بين فاروق وعبد الناصر"، وترصد من خلاله الأحداث السياسية المصرية وموقف أم كلثوم منها آنذاك.

ويقدم محمد السيد حمدي مقال مميز عن شخصية والي مصر إبراهيم باشا تحت عنوان "سلام على إبراهيم". وعن الكرة المصرية، أعد محمود عزت ملف مميز عن نادي الزمالك بمناسبة المئوية 1911- 2011 رصد فيه نشأة النادي وتطوره وأبرز لاعبيه وإنجازاته. وشارك قطب أنور قطب بمقال عن الكشافة المصرية ليرصد فكرتها ونشأتها في مصر وأثرها على المجتمع المصري، وتطرق إلى أبرز الكشفيين النشطين في هذا المجال.

يذكر أن مجلة ذاكرة مصر المعاصرة هي مجلة ربع سنوية صادرة عن مكتبة الإسكندرية عن مشروع ذاكرة مصر المعاصرة وهو المكتبة الرقمية التي تضم تاريخ مصر من عهد محمد علي وحتى نهاية عصر الرئيس الراحل محمد أنور السادات. رئيس تحريرها الدكتور خالد عزب وسكرتير التحرير سوزان عابد والتصميم والإخراج الفني لشادي النجار.

موقع الذاكرة: http://modernegypt.bibalex.org

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

" فتح الفطير " .. عادة تصاحب كل أول سنة هجرية