في ذكرى مرور 150 عام على مولد جرجي زيدان: احتفالية للإعلان عن مشروع توثيق دار الهلال

كتب بنات بحرى :

تنظم مكتبة الإسكندرية احتفالية للإعلان عن مشروع توثيق دار الهلال،

وبمناسبة مرور 150 عام على مولد جرجي زيدان؛ مؤسس الدار، وذلك في تمام الساعة السادسة مساء يوم الأربعاء المقبل الموافق 4 يناير في بيت السناري الأثري بحي السيدة زينب في القاهرة، التابع لمكتبة الإسكندرية.

وتضم الاحتفالية معرض وثائقي يحتوي على عدد كبير من الوثائق الخاصة بدار الهلال، ونشأتها وتاريخها وإصداراتها، والتي تم جمعها من أرشيف مكتبة الإسكندرية، ودار الهلال، ومن إهداءات جورج شكري زيدان؛ حفيد مؤسس دار الهلال جرجي زيدان.

وستشهد الاحتفالية الإعلان عن انتهاء مشروع توثيق دار الهلال بمكتبة الإسكندرية، والذي بدأ بالتعاون مع مؤسسة دار الهلال منذ حوالي 5 سنوات، منذ أن أخذت مكتبة الإسكندرية على عاتقها مسئولية توثيق الذاكرة المصرية بمختلف مناحيها؛ الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، من خلال مشروع ذاكرة مصر المعاصرة.

وانطلقت المرحلة الأولى من مشروع التوثيق بإصدار أقراص مدمجة DVDs تحتوي على توثيق كامل لأعداد مجلة الهلال. وتعد تلك المرحلة خطوة أولى للمحافظة على جميع إصدارات دار الهلال الكترونيًا والتسهيل على المتصفح عملية البحث بالكلمة وعنوان المقالة أو الخبر دون الحاجة للرجوع لمئات الأعداد الورقية.

وجاء الكتاب التذكاري "دار الهلال .. مدرسة التنوير"، معلنًا عن انتهاء المرحلة الثانية من المشروع، وذلك من خلال كتب وكتالوجات "سلسلة ذاكرة مصر المعاصرة". ويرصد الكتاب تاريخ مدرسة دار الهلال ورسالتها التنويرية في أربعة فصول.

أما المرحلة الثالثة فهي عملية توثيق كامل أرشيف الصور بمؤسسة دار الهلال الكترونيًا؛ وتعتبر تلك المرحلة من أكبر المشروعات التوثيقية الالكترونية التي تبنتها مكتبة الإسكندرية بالتعاون مع دار الهلال.

ويأتي توثيق دار الهلال ضمن مشروع توثيق الصحافة المصرية الذي تقوم به مكتبة الإسكندرية، وتم من خلاله توثيق تاريخ "روزاليوسف" و"أخبار اليوم". وتقوم المكتبة حاليًا بالعمل على توثيق تاريخ "الأهرام"، و"الجمهورية"، بالإضافة إلى توثيق عدد من الصحف التي اندثرت؛ مثل "المصري"، و"أبو نضارة"، وغيرها.

ويشارك في الاحتفالية ببيت السناري الدكتور إسماعيل سراج الدين؛ مدير مكتبة الإسكندرية، وحلمي النمنم؛ رئيس مجلس إدارة دار الهلال، وحمدي رزق؛ رئيس تحرير مجلة المصور، وعادل عبدالصمد رئيس تحرير مجلة الهلال، والدكتور خالد عزب؛ مدير إدارة المشروعات الخاصة بمكتبة الإسكندرية، ونخبة من المثقفين والباحثين.

وكان لجورج شكري زيدان دور كبير في مشروع توثيق دار الهلال بمكتبة الإسكندرية، بعد إهدائه العديد من الصور والوثائق القيِّمة، سواءً الخاصة بجده جرجي زيدان أو الخاصة بمؤسسة دار الهلال وإصداراتها المختلفة.

وتضم الوثائق التي أهداها جورج زيدان لمكتبة الإسكندرية الصفحة الأولى من العدد الأول من مجلة الهلال، والتي صدرت في أول سبتمبر سنة 1892.

وتضم الصفحة فاتحة الهلال، والتي كتب فيها جرجي زيدان: "لابد للمرء فيما يشرع فيه من فاتحة يستهل بها، وخطة يسير عليها، وغاية يرمي إليها.. أما فاتحتنا فحمدًا لله على ما أسبغ من نعمه وأفاض من كرمه.. والتوسل إليه أن يلهمنا الصواب وفصل الخطاب، وأما خطتنا فالإخلاص في غايتنا.. والصدق في لهجتنا.. والاجتهاد في وفاء حق خدمتنا، ولا غنى لنا في ذلك عن معاضدة أصحاب الأقلام من كتبة هذا العصر في كل صقع ومصر.. أما الغاية التي نرجو الوصول إليها فإقبال السواد على مطالعة ما نكتبه ورضاؤهم بما نحتسبه وإغضاؤهم عما نرتكبه، فإذا أتيح لنا ذلك كنّا قد استوفينا أجورنا فننشط لما هو أقرب إلى الواجب علينا".

يأتي ضمن الوثائق أيضًا مستخرج رسمي من شهادة ميلاد جرجي زيدان، والصفحة الأولى من مفكرة جرجي زيدان اليومية، ورسالة من جرجي زيدان إلى أحد أصدقائه المقيمين في سوريا والذي أرسل إليه كتابًا لينشره بالهلال، ومن الطريف أن الكتاب مكتوب باللغة الروسية والتي يجهلها جرجي تمامًا، فأرسل إلى صديقه أن يرسل نسخة باللغة العربية مشددًا عليه ألا ينسى كتابة عنوانه لمراسلته عليه.

وحرصت المكتبة على توثيق تاريخ دار الهلال العريقة منذ أن نشأت في عام 1892، حيث إنها تعد علامة مميزة في تاريخ الصحافة المصرية والعربية، وساهمت بمطبوعاتها العديدة في صياغة فكر وثقافة ووجدان أجيال كثيرة. وقد قطعت "الهلال" رحلة طويلة من الكفاح والتخصص الفكري والأدبي والفني، ما لم تقطعه مثيلاتها في الوطن العربي بأكمله وكانت دائمًا رمزًا للثقافة العربية، وقدمت دائمًا للقارئ العربي الجديد في العلم والأدب.

وبدأت دار الهلال بإصدار أول وأقدم مجلة ثقافية في العالم كله وهي "مجلة الهلال" سنة 1892، وحرصت على أن تكون نافذة واسعة للقراء المصريين والعرب على أحدث إنتاج فكري وثقافي في العالم كله بإصداراتها العديدة المترجمة لأبرز المؤلفات العالمية، ولذلك تعد طوال تاريخها مدرسة للتنوير.

وضمت دار الهلال بين صفوفها عدد كبير من رموز الفكر والفن والأدب والصحافة ابتدءًا من جرجي زيدان وابنيه "إميل وشكري" الذين حملوا راية التطوير بعد والدهما، مرورًا بطه حسين وعباس العقاد وحسين هيكل والمازني وسلامة موسى وحافظ إبراهيم وأحمد شوقي وميخائيل نعيمه وجبران خليل وحسين مؤنس، ثم لطيفة الزيات وأمينة السعيد ومي زيادة والسباعي وأحمد بهاء الدين وفكري أباظة ومكرم محمد أحمد ورجاء النقاش، وغيرهم كثيرون.

وعندما صدرت الهلال كانت الثقافة في مصر تقتصر على الأدب، وجاءت الهلال لتعطي الثقافة معنى أوسع وأشمل، فضمت التاريخ والفلسفة والعلوم والاجتماع والسياسة والاقتصاد، وامتزج الفكر بالفن والعلم بالفلسفة. كما استهدفت تثقيف القارئ لا التبرير للحاكم، وكانت تساعد كل صاحب رأي على الوصول إلى القارئ وتعبر عن كل فكر أصيل مهما اختلفت المدارس الفكرية.

وكان لمجلة الهلال أثر كبير في الحياة الأدبية والفكرية، حيث تناولت العديد من الموضوعات الحيوية في مصر فاعتبرت بأنها بيت الثورات المصرية، وديوان الصحافة العربية، والداعي الأول عن مشروع إنشاء الجامعة المصرية. وكان للقصة على صفحات مجلة الهلال باع كبير.

ويصدر عن دار الهلال عدد كبير من الإصدارات؛ منها: مجلة المصور، التي بدأت عام 1924، ومجلة الكواكب، التي بدأت في عام 1949، ومجلة حواء التي بدأت في عام 1955، وطبيبك الخاص، وسلسلة كتاب الهلال، وسلسلة كتاب الهلال الطبي، وسلسلة روايات الهلال، ومجموعة كبيرة من إصدارات الأطفال.

يذكر أن جرجي زيدان؛ مؤسس دار الهلال، ولد في بيروت في 14 ديسمبر 1861م لأسرة مسيحية فقيرة تعود جذورها إلى قرية تُدعى "عين عنوب". بدأ مشواره الصحفي كمحرر في صحيفة "الزمان" اليومية التي كان يصدرها علكسان صرافيان في القاهرة. وفي عام 1886م تمكن من تأليف أول كتبه تحت عنوان "الفلسفات اللغوية والألفاظ العربية.

بدأ جرجي زيدان رسالته في خدمة القارئ العربي بإصدار مجلة الهلال في عام 1892م، وصدر العدد الأول منها في الأول من سبتمبر 1892. أصبح اسم مجلة الهلال يجوب الآفاق في مشارق الأرض ومغاربها، واعتبرت من أوسع المجلات العربية انتشارًا في ذلك الوقت بسبب موضوعات المجلة التي كانت قريبة من حاجة القراء باختلاف طبقاتهم واتجاهاتهم.

كرس جرجي زيدان في السنوات الأولى من تاريخ مجلة الهلال كل نشاطه من أجل نجاح الهلال فقد تولى وحده جميع شئون المجلة التحريرية والإدارية وكان يشرف بنفسه على عمليات الطبع، والطريف أن جرجي زيدان أراد أن ينافس نفسه فأصدر مجلة اسمها الفرائد، ولم تستمر سوى عامين فقط.

وأدرك بعد ذلك أن مجهوده الفردي غير كافٍ لاستمرار مجلته فاستعان باثنين من الأصدقاء والأقارب لمعاونته على شئون المجلة: الأول هو إلياس زيدان وكان يكتب مقالات في الهلال إلى جانب عمله كمعاون في المستشفى الفرنساوي ببيروت، والثاني هو نقولا يوسف فياض وكان يراسل الهلال من بيروت.

في عام 1894 أصدر جرجي زيدان سلسلة روايات الهلال وكانت عبارة عن أعمال مترجمة، كان الهدف من إنشائها منافسة الروايات الأخرى التي لا تتفق مع عادات وتقاليد أهل البلاد ومحاربة غلاء أثمانها.

حظيت مقالات جرجي زيدان بالنصيب الأكبر في مجلة الهلال المتمثلة في المقالات الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية. وكانت المقالات الخارجية التي تأتي إليها من بعض الأدباء والعلماء للنشر بالهلال نادرة لكن سرعان ما فتحت الهلال أبوابها في العقد الثاني من صدورها لكتابات العديد من العلماء والأدباء الشرقيين أمثال: نقولا فياض، وإلياس فياض، وحافظ إبراهيم، وشبلي شميل، وغيرهم. كما نشر جرجي زيدان في تلك الفترة مقالات اجتماعية واقتصادية بالإضافة إلى عدد من المقالات التاريخية مثل: النهضة المالية المصرية، والإحصاء المصري، واللغة العربية والمدارس، وتاريخ التعليم في مصر.

زاد إقبال القراء على مجلة الهلال وزادت عناية جرجي زيدان بها أكثر وأكثر فأنشأ بابين أحدهما لنشر غرائب العادات والأخلاق، وثانيهما لنشر أحوال الدول المعاصرة من الوجهة المالية والعسكرية والنظامية ومن وجهة الملك والسلطان مع الرسوم والإيضاحات اللازمة.

وكان جرجي زيدان أول من كتب في تاريخ الصحافة العربية وأخبار الصحافة من العرب، ثم أتى بعده الدكتور إبراهيم عبده والذي ألف العديد من الكتب ومنها (تطور الصحافة المصرية)، والدكتور خليل يوسف صابات والدكتور أحمد حسين الصاوي اللذان ألفا عديدًا من الكتب في نشأة الصحافة والطباعة وفنون الإخراج الصحفي في مصر والمشرق العربي، ثم يأتي بعده الدكتور محمود نجيب أبو الليل الذي كتب عن الصحافة الفرنسية في مصر عدة مؤلفات.

وبعد وفاة جرجي زيدان تسلّم الراية ولديه إميل وشكري زيدان، وقد كان لهم دورًا كبيرًا في تواصل واستمرارية دار الهلال وتنويع إصداراتها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

" فتح الفطير " .. عادة تصاحب كل أول سنة هجرية