أم البحرية المصرية
أم البحرية المصرية ...... السيدة " عصمت حسن محسن حسن"
تبرعت بسفينة حربية كاملة من مالها الخاص للأسطول المصرى فى حرب فلسطين، كما أنها وهبت كل ما تملك للقوات البحرية.
نالت وسام الكمال الذهبى سنة 1955، لكنه سُرق من بيتها، فأهدى إليها الرئيس جمال عبد الناصر وساماً آخر،
ولدت عصمت حسن محسن حسن الإسكندرانى فى سنة 1898م- 1316هـ، وهى الملقبة بـ "أم البحرية"، فقد عُرفت بمآثرهاعلى البحرية المصرية ورجالها.. وقد نشأت بجوار البحر والسفن فى مدينة الإسكندرية، وفى أسرة ذات صلات عريقة بالبحر والبحرية، فهى حفيدة قائد أعالى البحار "حسن الإسكندرانى"، وابنة حسن محسن باشا، وأمها عزيزة حسن ابنة الأمير حسن اسماعيل، وشقيقة عزيز حسن من قواد الجيش المصرى الذين اشتركوا فى حرب البلقان سنة 1912م.
كانت تجيد اللغة العربية والفرنسية والإنجليزية، وتعشق البحر والسفن والأسفار البحرية منذ طفولتها، كما تعلقت بتاريخ البحرية المصرية ومواقعها الحربية، وبأمجاد العرب فى البحار، حتى أنها لُقبت "بأم البحرية" نظراً لعطفها على رجال الدولة.
وانطلاقاً من حبها للتاريخ العربى والإهتمام بالآثار العربية حرصت على الترحال عبر البحر، فطافت بمعالم لبنان وسورية وتونس والجزائر والمغرب والأندلس، لذا قامت بدراسة المساجد والقلاع والمزارات القديمة، وأصبحت من رواد المتاحف والمكتبات فى فرنسا وبلجيكا وسويسرا وغيرها.
وكانت السيدة/ عصمت تعبر البحار على المراكب الصغيرة متنقلة بين موانى البحار، وأمضت ثمانية عشر عاماً فى رحلاتها الإستكشافية والدراسية حتى أطلق عليها "بنت بطوطة" تشبيهاً بالرحالة العربى القديم "ابن بطوطة"، ولم تستهوها بواخر الترف ورحلات البذخ، بل كانت تشارك الملاحين حياتهم الصعبة فوق الأمواج، وحينما تعود إلى البر تعكف على دراسة الآثار والمتاحف وسائر المعالم التاريخية.
وحينما سافرت إلى فرنسا واستمرت بها فترة من الزمن تبحث وتكتب فى التاريخ العربى، وتنشر بعض مقالاتها فى الصحف الفرنسية، وتعرفت هناك على المستشرق الفرنسى "كريستيان شيرفيس" الباحث فى المخطوطات العربية وفقه أبى حنيفة، ولاحظ شغفها بالتاريخ والآثار، فسمح لها بالبحث فى مكتبته، ورأى لها أن تكتب فى تاريخ بلادها، وأن تكنى "بنت بطوطة"، وفى هذا الوقت كانت جريدة "ماتان" الباريسية قد أعلنت عن مسابقة للكُتاب الفرنسيين فى موضوع عن أشهر المواقع الحربية التاريخية الفاصلة، وجائزتها خمسمائة فرنك، واشتركت "بنت بطوطة" فى هذه المسابقة، وكتبت عن واقعة حطين، وعين جالوت، وهما من المواقع التى انتصرت فيها الجيوش العربية، وكان لها أثر كبير وفازت بالجائزة لدقة البحث وجمال الأسلوب.
وكان ذلك دافعاً لها للكتابة بالصحف الفرنسية عن التاريخ العربى والشرقى وأمجاده، وبدأت فى تأليف الكتب بالفرنسية ليطلع عليها الغربيون، وحينما عادت إلى بلادها مارست الكتابة فى الصحف والمجلات العربية، ومن ذلك مقالاتها فى الصحف والمجلات التى لم تجمع بعد.
وللآسف الشديد أنها لم تهتم بكتابة مذكراتها وذكرياتها ورحلاتها، خاصة وأنها من الشخصيات التى تستحق أن تنال دراسة بحثية وافية عنها، وعدم كتابة مذكراتها يعد قصوراً أمام من يدرس حياة هذه الشخصية الحافلة.
وقد استقرت السيدة عصمت محسن فى أخريات أيامها فى بيتها المطل على البحر بحى رأس التين، تشاهد مراكب الصيادين، وعاشت فى هذا البيت بين مكتبتها العامرة بكتب التاريخ والآثار ولوحات المواقع البحرية وأبطالها وذكرياتها ورحلاتها وأعمالها، ومن حين لآخر كانت تقضى بعض الوقت فى عزبتها بشبراخيت، وهناك كعادتها كانت تقدم يد العون للفلاحين والمحتاجين.
ونظراً لما عُرف عن السيدة عصمت محسن من حب للبحرية ورجالها، وما تقدمه من خدمات للوطن، فقد نالت وسام الكمال الذهبى سنة 1955، لكنه سُرق من بيتها، فأهدى إليها الرئيس جمال عبد الناصر وساماً آخر، ووصلت إليها رسالة من رئاسة الجمهورية جاء بها: "لما عرف عنك من حب الخير واهتمام بشئون البحرية، فرئاسة الجمهورية تهدى إليك هذا الوسام بدلاً من الذى فُقد منك.."، وكان ذلك فى مناسبة الإحتفال بيوم البحرية وبإنشاء المتحف البحرى بالإسكندرية فى 29أغسطس سنة 1960، وكانت أم البحرية فى مقدمة المدعوين إلى ذلك الحفل الذى أصبح عيداً من أعياد القوات المسلحة تتذكر فيه أمجادها البحرية.
ومن المآثر التى لا تنسى للسيدة عصمت محسن تبرعها بسفينة حربية كاملة من مالها الخاص للأسطول المصرى فى حرب فلسطين، كما أنها وهبت كل ما تملك للقوات البحرية.
رحم الله السيدة عصمت محسن التى رحل جسدها عنا فى عام 1973 وبقيت ذكراها لا ينساها الوطن.
تعليقات
إرسال تعليق