حكاوى رمضان الجميلة



بقلم نورهان صلاح الدين

البداية 



أيام قليلة تفصلنا عن شهر رمضان الكريم , ويهل علينا ببركاته وخيراته , ونحن فى إنتظاره بكل لهفه حتى نعيش روحانياته , ولكننا كبرنا على عادات وتقاليد منها ما نفعله حتى يومنا هذا برغم مرور الزمن وأختلاف الأجيال وعصر التكنولوجيا الذى نعيش فيه الأن إلا أننا نسترجع رائحة الماضى وعادات أجدادنا وأهالينا ونستمتع بها فى كل لحظة سواء كنا عن نقصد نفعلها أو لأننا تعودنا عليها وتوارثناها كما هى.

ولرمضان عادات وأستعدادات  تفردت بها مصر وبالأخص الإسكندرية للأحتفال بهذا الشهر الكريم.


رفرافة


يطلق  السكندريون على غرة رمضان "الرفرافة" , وذلك الإسم مشتقا من رفرفة أجنحة الطيور,  حيث يحرصون كل الحرص على أن يكون الطبق الرئيسى على مائدة الإفطار من الطيور " بط - حمام- دجاج- ديك رومى - ..." , وذلك إعتقادا منهم بأن هذا الطعام  سيجلب لهم الفأل الطيب خلال باقى الشهر .

وإذا زرنا محافظات أخرى من مصر نجد فى محافظة بورسعيد حرص الأسر على تناول البط أول يوم رمضان , و تتبارى النساء فى تربية البط قبل رمضان بعدة أشهر لإعداد وليمة ثمينة فى أول ايام رمضان .

أما أهالى بلطيم يحرصون على أن يكون من ضمن أطباق المائدة فى أول يوم من رمضان طبق الفول النابت .

ومن ناحية أخرى يهتم أهالى قرية ميت يزيد بالغربية بتناول أفطار اليوم الأخير من رمضان فى أحتفالية جماعية فى المقابر , ويشترط أن يتضمن الإفطار الحمص والبيض .

وبالنسبة لأهالينا فى سيناء أيضا يهتمون فى أول رمضان بعمل الولاء التى تضم الطيور كالبط والدجاج وأيضا لحوم الأغنام والماشية .
كما تتجمع الأسر فى رفرافة رمضان لتناول الأفطار معا فى بيت العيلة أو الأخ الاكبر أو الخال أو العم أو والدين الزوج أو الزوجة ,  للتواصل وصلة الرحم والأحتفال بقدوم الشهر الكريم .



المسحراتى

وراء المسحراتى قصص وحكايات حيث  تعددت الطرق والأساليب التى أستخدمت لإيقاظ النائمين لتناول السحور ,  وقد بدأت فكرة "المسحراتى" منذ عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حيث كان يقوم "بلال" مؤذن الرسول  (صلى الله عليه وسلم) برفع أذان فى توقيت السحور وفى توقيت منع الطعام والشراب يرفع الاذان ابن ام كلثوم فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بن أم كلثوم .
وفى مصر ظهر المسحراتى ظهر عام 238 هجرية فى العصر العباسى وكان وقتها والي مصر  “عتبة بن إسحاق”  وكان أول من طاف شورع مصر تطوعاً منه , لتنبيه الناس بموعد السحور،  قائلاً “عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة”.

ثم جاءت " الدولة الفاطمية" و أصدر الحاكم بأمر الله أمرا لجنوده بأن يمروا على البيوت لإيقاظ الناس للسحور كما أمر الناس بالنوم مبكرا عقب صلاة التراويح لكى يستطيعوا الأستيقاظ للحسور ، ومع مرور الوقت تم تعين شخص للقيام بدور المسحراتى و كان ينادي: “يا أهل الله قوموا تسحروا”، ويدق على أبواب البيوت بعصاً كان يحملها ومع الوقت تطورت العصى إلى طبلة يدق عليها.
وفي عصر المماليك ظهر "إبن نقطة" شيخ طائفة المسحراتية .
ومع الوقت تطورت فكرة المسحراتى وأصبحت مهنة خلال شهر رمضان ويجوب المسحراتى الشوارع بطبلة وفانوس ويتغنى بأحلى الإبتهالات لتنبيه النائمين  , وينقر على الطبلة , كما يقوم المسحراتى بجمع أسماء أهالى الحى أو المنطقة التى يجوب فيها قبل رمضان بأيام ,  وخلال ليالى رمضان قبل موعد أذان الفجر بساعة تقريبا  يقوم بالمناداة على اصحاب الاسماء بطريقة طريفة وسجع من تأليفه  على سبيل المثال كان يقول ( البنت نادية قاعدة على مكنتها بتخيط بدلة دخلتها يافرحة أهلها بها و أصحى يانايم وحد الدايم  ووحد الرزاق و......... ), ( وفوق من نومك وأصحى يانايم سحر نفسك وصل لربك وبكرة وبعده هتفضل صايم وأتوضى وفرض هيقضى لجل ما رضى عليك الدائم ) , ( رمضان كريم ) , (وقول نويت بكرة إن حييت) , (الشهر صايم والفجر قايم ورمضان كريم) وغيرها من الجمل الأخرى ,  وفى يوم وقفة عيد الفطر يمر على المنازل التى جمع منها الأسماء يأخذ عيديته من المال وكحك العيد  .
وفى وقتنا الحالى فى محافظة الغربية تمتهن النساء مهنة المسحراتى ويجبن الشوارع مساءا , فحين أن أهل محافظة مطروح لا يعرفون المسحراتى .
كما أرتبط شهر رمضان باشهر أصوات الفنانين على رأسهم الفنان الراحل "سيد مكاوى "


زينة الموائد

كان يطلق قديما على "الكنافة" زينة موائد الملوك وسميت بذلك الإسم "كنافة " لكونها عبارة عن خيوط رفيعة من العجين متشابكة او تكتنف ببعضها البعض .

وأشار المؤرخون الى ان معاوية بن ابى سفيان هو اول من قدمت له الكنافة من العرب كطعام للسحور لتدرأ عنه الجوع الذى كان يشعر به وكان ذلك فى زمن ولايته للشام , فقد كان يشعر بالجوع فى نهار رمضان جوعا شديدا فشكا الى محمد بن أتل الطبيب فاشار عليه باكل الكنافة فى السحور حى لا يشعر بالجوع اثناء الصيام .

وقبل أيام  لهلول شهر رمضان يبدأ أنتشار شوادر عمل وبيع الكنافة والقطائف فى أغلب أحياء الأسكندرية حتى تيسير على السكندريين عملية الشراء , وتتنوع الكنافة ما بين الكنافة الألى التى تصنع بميكنة مجهزة , وأخرى اليدوية التى أندثرت  نوعا ما الأن , كما القطائف يوجد منها نوعيم العصافيرى وهى صغيرة الحجم وأخرى أكبر حجما وهى أيضا يوجد منها يدوى وآلى

"وحوى ... ياوحوى " من الفراعين للفاطمين



من مظاهر الأحتفال بشهر رمضان أغنية "وحوى ياوحوى" التى يرددها الأطفال وهم يحملون الفوانيس

وتعددت الروايات التى فسرت كلمة "وحوى" , حيث قال الدكتور "نديم السيار " أن الأغنية عرفها المصريين القدماء منذ الاف السنين , وتعنى "وحوى يا وحوى أيوحا" أهلا أهلا بالقمر, وكانوا يغنون هذه الأغنية تحية للقمر إذا أهل فى مطلع كل شهر.

وهناك رواية ثانية تقول أن الأغنية ظهرت لأول مرة فى العصر الفاطمى وكانت فى الأصل تقول :
أحوى أحوى أياها
بنت السلطان لابسه قفطان
بجلاجيلة يلا نجيله

وكان الحاكم الفاطمى يحرم على النساء الخروج من منازلهن فإذا حل شهر رمضان سمح لهن بالخروج لزيارة الأهل والمعارف على أن يسير أمام كل سيدة صبى صغير يحمل فانوساً , وأراد الحاكم أن يكرم هؤلاء الأطفال فأمر بإقامة سرادق كبير فى حى السيدة زينب توزع فيه الحلوى ,وتصادف فى أحد أيام رمضان أن شاهد الأطفال بنت الحاكم قادمة فى موكب مهيب وهى ترتدى قفطانا فأخذوا يهللون ويتزاحمون حول الموكب فسمعوا صوت إمرأة تناديهم أن ينشدوا خلفها أغنية وحوى يا وحوى وكانت , هذة المرأة هى "فاطمة" وصيفة بنت السلطان وكانت معروفة بقدرتها على صياغة الزجل الشعبى فى أيه مناسبة .

ومن يومها أصبحت الأغنية من مظاهر الأحتفال بشهر رمضان .


حاجة جديدة

تعودت أهالينا فى الإسكندرية أن تستقبل شهر رمضان الكريم دائماً بشراء أى شئ جديد للمنزل سواء أثاث أو أدوات منزلية أو حتى أعادة أعمار المنزل , وذلك تكريما للشهر الكريم كما تتم نفس العادة مع عيد الفطر وعيد الأضحى وحتى الأن هناك أسر كثيرة تتبع تلك العادة .


تراويح

يأتى رمضان وتأتى معه الروحانيات الجميلة وخصوصا صلاة التراويح والتهجد وقيام الليل , فنجد أستعدادات المساجد وحتى الزوايا الصغيرة لأستقبال الشهر الكريم وتبدأ أول ليالى صلاة التراويح فى ليلة رؤية هلال رمضان , وفى الأسكندرية من أهم المساجد التى يحرص السكندريين على الصلاة فيه هو مسجد "لقائد إبراهيم" خلف الشيخ "حاتم فريد" من  أشهر المشايخ الذين يؤمون المصليين .
فهذا المسجد قبل أن يكون من أهم ساحات ثورة يناير فأنه أيضا أهم مسجد لتجمع المصليين الذين من كثرتهم قد تمتد صفوف الصلاة إلى كافة الأتجاهات المحيطة بالمسجد سواء طريق ترام الأسكندرية أو طريق الكورنيش .
ولكن أيضا تضم الأسكندرية الكثير من المساجد التى بها أضرحة للعارفين بالله والمشايخ مثل سيدى جابر وسيدى بشر والمرسى أبو العباس وهى أيضا تقتظ بالمصليين

مدفع

وللأسكندرية أيضا مدفع أفطار بمنطقة السلسة التى تقع أمام مكتبة الأسكندرية وينطلق مع موعد الأفطار وأيضا الأمساك .

وهناك رواية أنه كان قديما يوجد مدفع فوق كوم الناضورة وأخر فى طابية كوم الدكة وهى المنطقة التى يقع بها الأن المسرح الرومانى حيث كان يوجد هناك طابية لمعسكر أنجليزى فى منتصف القرن الماضى قبل أكتشاف المسرح .

والأخير فى طابية سيدى بشر وهى المكان الذى يوجد به الأن فندق المحروسة .

شوارع مزينة بالفانوس والكعبة
دائماً نجد أبناء الجيران والشباب يقوموا بتجهيز زينة الشارع سواء كانت قصاصات ورق ملون فى خيوط أو بالونات وحتى سلاسل الأضاءة ولكن دائما يتوج هذه الزينة هى هيكل للكعبة وفانوس رمضان ويتبارى كل شارع فى عمل الأكل والأفخم ولابد وأن تعلق فى منتصف الشارع , وتجد نا الكل يشارك ويبدع سواء كبير أو صغير أستقبالاً للشهر الكريم وتجدها أكثر فى بعض المناطق الشعبية والعشوائيات فهم أكثر الناس أحتفاظاً بهذه العادة , و فى الأحياء الراقية يكتفون بتزيين البلكونات أو الشبابيك بفانوس رمضان أو سلسلة الأضاءة الملونة .



ياميش وقمر الدين

من أهم التحضيرات لشهر رمضان شراء الياميش والمشروبات ك قمر الدين والتمر هندى والخروب , وفى الأسكندرية يتم شرائها من سوق الميدان بمنطقة المنشية وأيضا سوق باكوس وغيرها من سلسة المحلات الشهيرة , ولكن مازال البعض يحرص على الشراء من سوق الميدان أشهر وأقدم الأسواق بالأسكندرية والذى مازال حتى الأن يحتفظ بأحجار البازلت الأسود فى الأرضيات ومازالت المحلات تحتفظ بأثاثها وأبواها الخشبية , وعندما تدخل لشراء شئ ترجع بك الرائحة إلى سنوات قديمة وبعيدة قد تمتزج برائحة الجاليات الأجنبية التى كانت تمتلك تلك المحلات فى يوم من الأيام .

موائد أفطار
كما تقام سرادقات وشوار كبيرة فى ساحة مسجد المرسى أبو العباس ينشد بها الأبتهالات ويقام بها حلقات الذكر على مدار اليوم

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

" فتح الفطير " .. عادة تصاحب كل أول سنة هجرية